دور علم
الأصوات في تعليم القراءات
(القراءة القرآنية)
إن علم الأصوات يعد من العلوم
اللغوية الحديثة في العربية، وظهرت بوارد التأليف فيه في العربية على يد
المستشرقين في النصف الأولى من القرن العشرين، لكن أول مؤلف كتب فيه بالعربية في
العصر الحديث هو كتاب "الأصوات اللغوية" للدكتور إبراهيم أنيس، الذي
صدرت طبعته الأولى في القاهرة سنة 1937هـ، وتوالت المؤلفات فيه وتكاثرت بعد ذلك،
وغلب على تلك المؤلفات الاعتماد على الدراسات الصوتية الغربية، وترجمة نتائج تلك
الدراسات إلى العربية، مع الإرشارة إلى جهود علماء العربية مثل الخليل وسيبويه
وابن جني في ميدان دراسة الأصوات، لكن جهود علماء التجويدعلى ضخامتها لم تحظ
بالعناية منهم، بل إنها تكاد تكون مجهولة في الكتابات الصوتية العربية الحديثة
والمعاصرة.
وتقدمت دراسة الأصوات اللغوية في
العقود الأخيرة لدى الغربيين، واستفادت كثيرا من مختبرات الصوت والأجهزة الحديثة التي تستعمل في دراسة ووسائلها
وموضوعاتها، و تمخض عن ذلك ثلاثة فروع لعلم الأصوات، هي:
1. علم الأصوات النطقي، ويعني بعملية
إنتاج الصوت اللغوي.
2. علم الصوت الفيزياوي، ويعني بطبيعة
الصوت الإنساني وكيفية انتقاله من مصدر التصويت إلى أذن السامع.
3. علم الأصوات السمعي، ويعني بكيفية
إدراك الإنسان للصوت اللغوي.
إن علم التجويد فإنه ظهر علما مستقلا
في تراثنا العربي الإسلامي في القرن الخامس الهجري، حين تنكن علماء قراءة القرآن
من استخص الباحث الصوتية من كتب علماء العربية ووضعها في إطار علم جديد، أطلق عليه
هذا الاسم منذ ظهور المؤلفات الأولى فيه، مثل كتاب (الرعاية لتجويد القراءة) لمكي
بن أبي طالب القيسي المتوفى سنة 437 هــــ، وكتاب (التحديد في الإتقان والتجويد)
لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة 444 هــ.
وتتابع التأليف في هذا العلم في
الحقب اللاحقة لظهور مؤلفاته الأولى، ولم ينقطع التأليف فيه حتى وقتتنا الحاضر، وقد تنوعت مناهج التأليف فيه
وأساليبه بين النظم والنثر، والإيجاز والتفصيل
والابتكار والتقليد، وكانت السمة الغالبة على تلك المؤلفات المحافظة على
صورته الأولى، مع إضافات متميزة لبعض علماء التجويد في العصور، لكن ذلك لم يغير من
صورته التي استقر عليها.
وانعكست آثار ذلك التقدم في دراسة
الأصوات اللغوية على كتابات الأصواتيين العرب، وظهر عدد من المؤلفات التي تستند
إلى ما تحقق من تقدم في مجال دراسة الأصوات، لكن دراسة علم التجويد ومؤلفاته في
العصر الحديث ظلت في مغزل عن ذلك كله، ومن هنا صار ينظر إلى العلمين كأنهما
مختلفان موضوعا ومنهجا، لكنهما في الحقيقة من واد واحد، يؤولان إلى أصل واحد، ولعل
في النظر في تاريخ العلمين وطبيعة كل منهما والموضوعات التي يتناولانها ما يؤكد
ذلك، وهذه نظرة سريعة في تلك الجوانب:
النشأة:
إن "علم التجويد" أقدم نشأة من (علم الأصوات) بما يقرب من عشرة قرون،
فالمؤلفات الجامعة في علم التجويد ظهرت في منتصف القرن الخامس الهجري، وإذا أخذنا
بنظر الاعتبار سبق الغربيين إلى تأسيس علم الأصوات الحديث منذ القرن السابع عشر أو
القرن الثامن عشر، فإن علم التجويد يظل أقدم نشأة منه بستة قرون أو سبعة قرون.
التسمية:
إن مصطلح "علم التجويد" استعمل للدلالة على المباحث الصوتية المتعلقة
بقراءة القرآن الكريم، وكانت تلك المباحث مختلطة بالمباحث النحوية والصرفية لدى
علماء اللغة العربية، ولم يفردوها بمصطلح خاص أو علم مستقل، وقد حاول ابن جني ذلك
في كتابه (سر صناعة الإعراب) حين عبر عن موضوع الكتاب بـ (علم الأصوات الحروف)،
لكن من جاء بعده من علماء العربية لم يوفقوا في استثمار تلك اللمحة من ابن جني
والبناء عليها، حتي تمكن علماء قراءة القرآن بعده من استخلاص المباحث الصوتية من
كتب علماء العربية، وأفردوها في كتب خاصة، واختاروا لها تسمية جديدة، كانت في أول
الأمر تتكون من عنصرين: الأول المخارج والصفات، والثاني التجويد والإتقان، فيسميى
مكي بن أبي طالب كتابه "الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة بعلم
مراتب الحروف ومخارجها وصفاتها وألقابها"، لكن معاصره أبا عمرو الداني سمي
كتابه "التحديد في الإتقان والتجويد" ثم غلبت كلمة التجويد في عناوين
الكتب التي ألفها العلماء في العلم من بعدهما.
أما المصطلح "علم
الأصوات اللغوية" فإمه مصطلح جديد، استعمله المتخصصين بعلم اللغة العربية في
العصر الحديث، وجاء ترجمة للمصطلح الغربي الدال على هذا العلم، ودرسوا تحته مباحث
صوتية قديمة سبق إلى دراستها علماء العربية والتجويد، ومباحث صوتية جديدة نقلوها
من الدرس الصوتي الغربي، على نحو ما يتبين في الفقرة الآتية.
الموضوعات:
تتلخص موضوعات علم التجويد في ثلاثة أمور، هي: معرفة مخارج الحروف، معرفة صفات
الحروف، معرفة الأحكام الناشئة عن التركيب، مثل الإدغام والإخفاء، والترقيق
والتفخيم، والمد والقصر، وغيرها من الموضوعات الصوتية المتعلقة بقراءة القرآن
الكريم.
وتعد هذه الموضوعات من أهم الموضوعات
علم الأصوات اللغوي المعاصر، لكن هذا العلم يدرس اليوم إلى جانب ذلك موضوعات أخرى
بعضها يتعلق بعلم الأصوات النطقي، مثل آلية إنتاج الصوت اللغوي، والمقطع الصوتي،
والنبر والتنغيم، وبعضها يتعلق بعلم الصوت الفيزياوي وعلم الصوت السمعي، وبعض هذه
الموضوعات الصوتية الحديثة مما يحتاج إليه دارس علم التجويد، لو أتيح له الطلاع
عليها.
المصطلحات:
يستخدم علم أصوات العربية المعاصر معظم المصطلحات الصوتية التي استخدمها علماء
العربية والتجويد، وقد فضّل بعض الدارسين مصطلحات عربية جديدة جاءت ترجمة
للمصطلحات الصوتية الغربية، ففي الوقت الذي استخدم فيه معظم المحدثين مصطلح
الجمهور والمهموس، فإنهم آثر مصطلح الانفجاري والاحتكاكي بدلا من الشديد والرخو، ولا
يزال موضوع المصطلح الصوتي عند المحدثين من الموضوعات التي يكثر فيها الاختلاف
والاضطراب، لاسيما في التعبير عن المفاهيم الصوتية الحديثة، وبعض ذلك راجع إلى عدم
اطلاع الأصواتيين العرب المحدثين على كثير من التراث الصوتي عند علماء التجويد.
وسائل الدراسة:
اعتمد علماء العربية الأوائل وعلماء التجويد على الملاحظة الذاتية والتجربة الشخصية
في دراسة الأصوات، ولا تزال هذه الوسيلة من الوسائل المهمة في الدرس الصوتي
الحديث، لكن التقدم العلمي قد وضع في أيدي علماء الصوت وسائل جديدة تعتمد على
الأجهزة الحديثة، وتمكنوا من خلالها من إحراز تقدم هائل في فهم الصوت اللغوي
والكشف عن أسراره، ولا يستغني المشتغلون بعلم التجويد وتعليم قراءة القرآن من
الاستفادة من هذه الوسائل الحديثة، إذا ما توفرت المستلزمات الضرورية لذلك. وييدو
من خلال عرض الموجز السابق أن أصل العلمين واحد، وأن الموضوعات التي يدرسانها
واحدة، سوى أن علم التجويد يركز على المباحث الصوتية التطبيقية المتعلقة بقراءة
القرآن، وأن علم الأصوات يعني بكل المباحث المتصلة بأصوات اللغة، وأحسب أن ما يبدو
من اختلاف بين العلمين في بعض الموضوعات والمصطلحات والوسائل إنما هو خلاف شكلي.
البحث
عرفنا أن علم الأصوات له دور مهم في
اللغة نفسها وبالخصوص ليساعد القارئ في تعليم قراءة القرآن الكريم، أما تعريف
القراءات في اللغة فهي: جمع قراءة، والقرآن في اللغة: مشتقة من مادة: (ق ر أ) وهي
مصدر للفعل قرأ، يقال: قرأ يقرأ قرآنا وقراءة، وهو على وزن: (فعالة) ويستعمل
لمعنيين:
1. الجمع والضم، أي: جمع الشيء إلى
بعضه، وضمه إليه.
2. التلاوة، وهي النطق بالكلمات
المكتبوبة، ومنه قولهم: قرأت الكتاب، أي: تلوته[1].
أما
اصطلاحا: فعرف علم القراءات اصطلاحا بعدة تعريفات، لكن من أهمها:
ما
عرف به الطوفي (ت 716 هــ) وهو قوله: ((والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور
في كتبة الحروف أكيفيتها، من تخفيف وتثقيل، وتحقيق وتسهيل، ونحو ذلك، بحسب اختلاف
لغات العرب))[2].
وتابعه
الزركشي (ت 794 هــ) عليه إذ قال: ((والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في
كتبة الحروف أو كيفيتها، من تخفيف وتثقيل وغيرهما.))[3]
وعلى
القراء يجب عليه استخدام علم التجويد في تعليمها، تتلخص موضوعات علم التجويد في
ثلاثة أمور، هي: معرفة مخارج الحروف، معرفة صفات الحروف، معرفة الأحكام الناشئة عن
التركيب، مثل الإدغام والإخفاء، والترقيق والتفخيم، والمد والقصر، وغيرها من
الموضوعات الصوتية المتعلقة بقراءة القرآن الكريم.
مخارج الحروف وصفاته
جهاز
النطق أو أعضاء الكلام هي: الإنسان نفسه بكل أعضاءئه و أجهزته العضوية والبيولوجية
والنفسية أيضا. ذلك أن هذه الأعضاء والأجهزة كلها لها دخل في عملية إصدار الكلام
وإن بصور مختلفة، بحسب العضو أو الجهاز المعين[4].
ينبغي
لنا أن نعرف وصف عملية جهاز النطق في إنتاج الصوات الصامتة والصائتة وذلك كما يلي:
v صوت الباء: مخرجه
وصفاته: شفوي، انفجاري، مجهور.
v
صوت
التاء: مخرجه وصفاته: صوت أسناني لثوي
انفجاري مهموس.
v
صوت
الثاء: مخرجه وصفاته: أسناني، احتكاكي،
مهموس، منخفض.
v
صوت
الجيم: مخرجه وصفاته: صوت لثوي حنكي مركب
(انفجاري احتكاكي) مجهور.
v
صوت
الدال: مخرجه وصفاته: صوت أسناني لثوي
انفجاري مجهور.
v
صوت
الذال: مخرجه وصفاته: أسناني، احتكاكي،
مجهور، منخفض.
v
صوت
الراء: مخرجه وصفاته: صوت لثوي مكرر مجهور.
v
صوت
الزى: مخرجه وصفاته: صوت لثوي طرفي
احتكاكي مجهور.
v
صوت
السين: مخرجه وصفاته: صوت لثوي احتكاكي
مهموس.
v
صوت
الغين: مخرجه وصفاته: صوت من أقصى الحنك
احتكاكي مجهور.
v
صوت
الفاء: مخرجه وصفاته: صوت شفوي أسناني
احتكاكي مجهور.
v
صوت
القاف: مخرجه وصفاته: صوت لهوي انفجاري
مهموس.
v
صوت
الكاف: مخرجه وصفاته: صوت حنكي قصى انفجاري
مهموس.
v
صوت
اللام: مخرجه وصفاته: صوت أسناني لثوي جانبي
مجهور.
v
صوت
الميم: مخرجه وصفاته: صوت أنفي شفوي مجهور.
v
صوت
النون: مخرجه وصفاته: صوت أسناني لثوي أنفي
احتكاكي مجهور.
v
صوت
الهاء: مخرجه وصفاته: صوت حنجري احتكاكي
مهموس.
v
الواو:
مخرجه وصفاته: صائت شفوي حنكي وسطي مجهور.
v
الياء:
مخرجه وصفاته: صائت حنكي وسيط مجهور.
v
الكسرة:
مخرجه وصفاته: صائت الأمامية مرتفعة مبسوطة.
v
فتحة:
مخرجه وصفاته: الصائت المركزية، متوسطة، محايدة.
v
ضمة:
مخرجه وصفاته: صائت الخلفية مرتفعة مستديرة.
صورة أعضاء أجهزة النطق
بهذه كلها ينبغي على القارئ أن يعرف الأحكام
الناشئة عن التركيب، مثل الإدغام والإخفاء، والترقيق والتفخيم، والمد والقصر،
وغيرها من الموضوعات الصوتية المتعلقة بقراءة القرآن الكريم.[5]
الاختتام
إن الأصوات من إحدى الموضوعات
الدارسية لعلم اللغة، والدراسة العلمية لأصوات الكلام تسمى علم الأصوات، واعلم أن
الكلام هو الوسيلة اللغوية الوحيدة المستخدمة علميا للاتصال بين أفراد الجنس
البشري، والكلام ما هو في الواقع إلا قيام الإنسان بحركات تبدأ من الحجاب الحاجز
ويشترك فيها أعضاء داخل الصدر وآخر واقعة في التجاويف الحلقية والفموية والأنفية،
وتؤدي هذه الحركات إلى ضوضاء تملاء الجو حوله. ويمكن عن طريق الهواء أو أية وسيلة
أخرى أن تصل إلى أذن السامع، وعن طريقها والأجهزة السمعية الأخرى أن تصل إلى المخ.
وإذا كان السامع من نفس مجموعة المتكلم اللغوية أو على علم بلغته يمكن أن يستجيب
لهذه الضوضاء لأنه يفهمها.
وليستطيع
الدارس أن يفهم ما سمع فعليه معرفة كل صوت من اللغة، ولذلك القيام بالاهتمام على
تعليم الأصوات في حجرة دراسة اللغة العربية أمر يلزم به. وهذه الرسالة الموجز تبحث
عما يتعلق بدور علم الأصوات في القراءات (القرآن الكريم)
[1] المعجم الوسيط، مادة: (قرأ) 2/ 722.من كتاب، عبد العزيز بن سليمان بن إبراهيم
المزيني، مباحث في علم القراءة، دار كنوز أشبليا.ص 16.
[2] شرح مختصر الروضة 2/ 21. من كتاب، عبد العزيز بن سليمان بن إبراهيم
المزيني، مباحث في علم القراءة، دار كنوز أشبليا.ص 16.
[3] البرهان، للزركشي 1/ 318. من
كتاب، عبد العزيز بن سليمان بن إبراهيم المزيني، مباحث في علم القراءة، دار
كنوز أشبليا.ص 16.
[5] عبد الوهاب رشيد، علم الأصوات النطقي،
نظرية ومقارنة مع تطبيق في القرآن الكريم،UIN-MALIKI PRESS 2010
0 comments:
Posting Komentar